فصل: تفسير الآية رقم (2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (2):

{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ عْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ عْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)}
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} شارفن آخر عدتهن.
{فَأَمْسِكُوهُنَّ} فراجعوهن {عْرُوفٍ} بحسن معاشرة وإنفاق مناسب للحال من الجانبين. {أَوْ فَارِقُوهُنَّ عْرُوفٍ} بايفاء الحق واتقاء الضرار مثل أن يراجعها ثم يطلقها تطويلًا للعدة.
{وَأَشْهِدُواْ ذَوَى عَدْلٍ مّنكُمْ} عند الرجعة إن اخترتموها أو الفرقة إن اخترتموها تبريا عن الريبة وقطعًا للنزاع، وهذا أمر ندب كما في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]، وقال الشافعي في القديم: إنه للوجوب في الرجعة، وزعم الطبرسي أن الظاهر أنه أمر بالاشهاد على الطلاق وأنه مروى عن أئمة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وأنه للوجوب وشرط في صحة الطلاق {وَأَقِيمُواْ الشهادة} أي أيها الشهود عند الحاجة {لِلَّهِ} خالصًا لوجهه تعالى، وفي الآية دليل على بطلان قول من قال: إنه إذا تعاطف أمران لمأمورين يلزم ذكر النداء أو يقبح تركه نحو أضرب يا زيد. وقم يا عمرو، ومن خص جواز الترك بلا قبح باختلافهما كما في قوله تعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا واستغفرى لِذَنبِكِ} [يوسف: 29] فإن المؤمور بقوله تعالى: {اشهدوا} للمطلقين؛ وبقوله سبحانه: {أَقِيمُواْ الشهادة} كما أشرنا إليه، وقد تعاطف من غير اختلاف في أفصح الكلام.
{ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بالله واليوم الاخر} أي لأنه المنتفع بذلك، والإشارة على ما اختاره صاحب الكشاف إلى الحث على إقامة الشهادة لله تعالى، والأولى كما في الكشف أن يكون إشارة إلى جميع ما مر من إيقاع الطلاق على وجه السنة. وإحصاء العدة. والكف عن الإخراج والخروج. وإقامة الشهادة للرجعة أو المفارقة ليكون أشد ملاءمة لقوله عز وجل: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا}.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}
{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} فإنه اعتراض بين المتعاطفين جيء به لتأكيد ما سبق من الأحكام بالوعد على اتقاء الله تعالى فيها، فالمعنى ومن يتق الله تعالى فطلق للسنة، ولم يضارّ المعتدة، ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد يجعل له سبحانه مخرجًا مما عسى أن يقع في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق؛ ويفرج عنه ما يعتريه من الكروب، ويرزقه من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه، وفي الأخبار عن بعض أجلة الصحابة كعلي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس في بعض الروايات عنه ما يؤيد بظاهره هذا الوجه، وجوز أن يكون اعتراضًا جيء به على نهج الاستطراد عند ذكر قوله تعالى: {ذلك يُوعَظُ بِهِ} [الطلاق: 2] إلخ، فالمعنى ومن يتق الله تعالى في كل ما يأتي وما يذر يجعل له مخرجًا من غموم الدنيا والآخرة وهو أولى لعموم الفائدة، وتناوله لما نحن فيه تناولًا أوليًا، ولاقتضاء أخبار في سبب النزول وغيره له، فقد أخرج أبو يعلى. وأبو نعيم. والديلمي من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ} إلخ فقال: مخرجًا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة»، وأخرج أحمد. والحاكم وصححه. وابن مردويه. وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي عن أبي ذر قال: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3] فجعل يرددها حتى نعست ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم».
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال: يا رسول الله إن ابني أسره العدو وجزعت أمه فما تأمرني؟ قال: آمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت المرأة: نعم ما أمرك فجعلا يكثران منها فتغفل العدو فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه فنزلت {وَمَن يَتَّقِ الله}» الآية، وفي رواية ابن أبي حاتم عن محمد بن إسحق مولى آل قيس قال: «جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أسر ابن عوف فقال له عليه الصلاة والسلام: أرسل إليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وكانوا قد شدوه بالقدّ فسقط القدّ عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها فإذا سرح للقوم الذين كانوا شدّدوه فصاح بها فاتبع آخرها أولها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب فأتى أبوه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت: {وَمَن يَتَّقِ الله}» إلخ.
وفي بعض الروايات أنه أصابه جهد وبلاء فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اتق الله واصبر فرجع ابنه وقد أصاب أعنزًا فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فنزلت فقال: هي لك» إلى غير ذلك مما هو مضطرب على ما لا يخفى على المتتبع، وعلى القول بالاستطراد قيل: المعنى من يتق الحرام يجعل له مخرجًا إلى الحلال، وقيل: {مَخْرَجًا} من الشدة إلى الرخاء، وقيل: من النار إلى الجنة. وقيل: {مَخْرَجًا} من العقوبة {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} من الثواب، وقال الكلبي: {مَن يَتَّقِ الله} عند المصيبة {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} إلى الجنة، والكل كما ترى، والمعول عليه العموم الذي سمعته، وفي الكشف إن تنويع الوعد للمتقي وتكرير الحث عليه بعد الدلالة على أن التقوى ملاك الأمر عند الله تعالى ناط به سبحانه سعادة الدارين يدل على أن أمر الطلاق والعدة من الأمور التي تحتاج إلى فضل تقوى لأنه أبغض المباح إلى الله عز وجل لما يتضمن من الايحاش وقطع الألفة الممهدة، ثم الاحتياط في أمر النسب الذي هو من جلة المقاصد يؤذن بالتشديد في أمر العدة فلابد من التقوى ليقع الطلاق على وجه يحمد عليه، ويحتاط في العدة ما يجب فهنالك يحصل للزوجين المخرج في الدنيا والآخرة، وعليه فالزوجة داخلة في العموم كالزوج {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ} أي كافيه عز وجل في جميع أموره.
وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال: «يقول الرب تبارك وتعالى: إذا توكل عليّ عبدي لو كادته السماوات والأرض جعلت له من بين ذلك المخرج» {إِنَّ الله بالغ أَمْرِهِ} بإضافة الوصف إلى مفعوله والأصل بالغ أمره بالنصب كما قرأ به الأكثرون أي يبلغ ما يريده عز وجل ولا يفوته مراد.
وقرأ ابن أبي عبلة في رواية. وداود بن أبي هند. وعصمة عن أبي عمرو بالغ بالرفع منونًا {أَمَرَهُ} بالرفع على أنه فاعل بالغ الخبر لأن أو مبتدأ، و{بالغ} خبر مقدم له، والجملة خبر {ءانٍ} أي نافذ أمره عز وجل، وقرأ المفضل في رواية أيضًا بالغًا بالنصب {أَمَرَهُ} بالرفع، وخرج ذلك على أن بالغًا حال من فاعل {جَعَلَ} في قوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ الله لِكُلّ شَيْء} لا من المبتدأ لأنهم لا يرتضون مجيء الحال منه، وجملة {أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ} إلخ خبر {ءانٍ}، وجوز أن يكون بالغًا هو الخبر على لغة من ينصب الجزأين بإن كما في قوله:

إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكن ** خطاك خفافًا إن حراسنا أسدا

وتعقب بأنها لغة ضعيفة، ومعنى {قَدْرًا} تقديرًا، والمراد تقديره قبل وجوده، أو مقدارًا من الزمان، وهذا بيان لوجوب التوكل عليه تعالى وتفويض الأمر إليه عز وجل لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق. وغيره لا يكون إلا بتقديره تعالى لا يبقى إلا التسليم للقدر، وفيه على ما قيل: تقرير لما تقدم من تأقيت الطلاق والأمر بإحصاء العدة، وتمهيد لما سيأتي إن شاء الله تعالى من مقاديرها.
وقرأ جناح بن حبيش {قَدْرًا} بفتح الدال.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)}
{واللائى يَئِسْنَ مِنَ المحيض}، وقرئ ييأسن مضارعًا {مّن نِّسَائِكُمُ} لكبرهن، وقد قدر بعضهم سن اليأس بستين سنة، وبعضهم بخمس وخمسين، وقيل: هو غالب سن يأس عشيرة المرأة، وقيل غالب سن يأس النساء في مكانها التي هي فيه فإن المكان إذا كان طيب الهواء والماء كبعض الصحاري يبطئ فيه سن اليأس، وقيل: أقصى عادة امرأة في العالم، وهذا القول بالغ درجة اليأس من أن يقبل {إِنِ ارتبتم} أي إن شككتم وترددتم في عدتهن، أو إن جهلتم عدتهن {فَعِدَّتُهُنَّ ثلاثة أَشْهُرٍ} أخرج الحاكم وصححه. والبيهقي في سننه. وجماعة عن أبي بن كعب أن ناسًا من أهل المدينة لما نزلت هذه الآية التي في البقرة في عدة النساء قالوا: لقد بقي من عدة النساء عدد لم تذكر في القرآن الصغار والكبار اللاتي قد انقطع عنهن الحيض وذوات الحمل، فأنزل الله تعالى في سورة النساء القصرى {واللائى يَئِسْنَ} الآية، وفي رواية أن قومًا منهم أبي بن كعب. وخلاد بن النعمان لما سمعوا قوله تعالى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثلاثة قُرُوء} [البقرة: 228] قالوا: يا رسول الله فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر؟ فنزل: {واللائى يَئِسْنَ} إلخ، فقال قائل: فما عدة الحالم؟ فنزل: {وأولات الاحمال} إلخ.
ويعلم مما ذكر أن الشرط هنا لا مفهوم له عند القائلين بالمفهوم لأنه بيان للواقعة التي نزل فيها من غير قصد للتقييد، وتقدير متعلق الارتياب ما سمعت هو ما أشار إليه الطبري. وغيره، وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس أهو دم حيض أو استحاضة فعدتهن إلخ، وإذا كانت هذه عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك، وقال الزجاج: المعنى {إِنِ ارتبتم} في حيضهن وقد انقطع عنهن الدم وكن ممن يحيض مثلهن، وقال مجاهد: الآية واردة في المستحاضة أطبق بها الدم لا تدري أهو دم حيض أو دم علة، وقيل: {إِنِ ارتبتم} أي إن تيقنتم إياسهن، والارتياب من الأضداد والكل كما ترى.
والموصول قالوا: إنه مبتدأ خبره جملة {فَعِدَّتُهُنَّ} إلخ، {وَأَنْ ارتبتم} شرط جوابه محذوف تقديره فاعلموا أنها ثلاثة أشهر، والشرط وجوابه جملة معترضة، وجوز كون {فَعِدَّتُهُنَّ} إلخ جواب الشرط باعتبار الإعلام والإخبار كما في قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ الله} [النحل: 53] والجملة الشرطية خبر من غير حذف وتقدير، وقوله تعالى: {واللاتي لَمْ يَحِضْنَ} مبتدأ خبره محذوف أي واللائي لم يحضن كذلك أو عدتهن ثلاثة أشهر، والجملة معطوفة على ما قبلها، وجوز عطف هذا الموصول على الموصول السابق وجعل الخبر لهما من غير تقدير، والمراد باللائي لم يحضن الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض.
واستظهر أبو حيان شموله من لم يحضن لصغر ومن لا يكون لهن حيض البتة كبعض النساء يعشن إلى أن يمتن ولا يحضن، ومن أتى عليها زمان الحيض وما بلغت به ولم تحض، ثم قال: وقيل: هذه تعتدّ سنة.
{وأولات الاحمال أَجَلُهُنَّ} أي منتهى عدتهن {أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولو نحو مضغة وعلقة ولا فرق في ذلك بين أن يكن مطلقات أو متوفى عنهن أزواجهن كما روى عن عمر. وابنه، فقد أخرج مالك. والشافعي. وعبد الرزاق. وابن أبي شيبة. وابن المنذر عن ابن عمر أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل فقال: إذا وضعت حملها فقد حلت فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب قال: لو ولدت وزوجها على سريره لم يدفن لحلت، وعن ابن مسعود فقد أخرج عنه أبو داود. والنسائي. وابن ماجه أنه قال: من شاء لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى {وأولات الاحمال} إلخ نزل بعد سورة البقرة بكذا وكذا شهرًا وكل مطلقة أو متوفى عنها زوجها فأجلها أن تضع حملها، وفي رواية ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري بسبع سنين ولعله لا يصح، وعن أبي هريرة. وأبي مسعود البدري. وعائشة وإليه ذهب فقهاء الأمصار وروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج عبد بن حميد في زوائد المسند. وأبو يعلى. والضياء في المختارة. وابن مردويه عن أبيّ بن كعب قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: {وأولات الاحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} أهي المطلقة ثلاثًا والمتوفى عنها؟ قال: «هي المطلقة ثلاثًا والمتوفى عنها» وروى جماعة نحوه عنه من وجه آخر، وصح أن سبيعة بنت الحرث الأسلمية كانت تحت سعد بن خولة فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل فوضعت بعد وفاته بثلاثة وعشرين يومًا، وفي رواية بخمس وعشرين ليلة، وفي أخرى بأربعين ليلة فاختضبت وتكحلت وتزينت تريد النكاح فأنكر ذلك عليها فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن تفعل فقد خلا أجلها» وذهب علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلى أن الآية في المطلقات، وأما المتوفى عنها زوجها فعدتها آخر الأجلين، وهو مذهب الإمامية كما في مجمع البيان.
وعلى ما تقدم فالآية ناسخة لقوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أزواجا يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 234] الآية على رأي أصحاب أبي حنيفة ومن وافقهم من الشافعية لأن العام المطلق المتأخر ناسخ عندهم فأولى أن يكون العام من وجه كذلك، وأما من لم يذهب إليه فمن لم يجوز تأخير بيان العام قال: بالنسخ أيضًا لأن العام الأول حينئذ مراد تناوله لأفراده، وفي مثله لا خلاف في أن الخاص المتراخي ناسخ بقدره لا مخصص، ومن جوز ذهب إلى التخصيص بناءًا على أن التي في القصرى أخص مطلقًا، ووجهه أنه ذكر في البقرة حكم المطلقات من النساء وحكم المتوفى عنهن الأزواج على التفريق، ثم وردت هذه مخصة في البابين لشمول لفظ الأجل العدتين، وخصوص أولات الأحمال مطلقًا بالنسبة إلى الأزواج، وهذا كما يقول القائل: هندية الموالي لهم كذا وتركيتهم لهم كذا لجنس آخر، ثم يقول: والكهول منهم لهم دون ذلك أو فوقه أو كذا مريدًا صنفًا آخر يكون الأخير مخصصًا للحكمين، ولا نظر إلى اختلاف العطايا لشمول اللفظ الدال على الاختصاص وخصوص الكهول من الموالي مطلقًا كذلك فيما نحن فيه لا نظر إلى اختلاف العدتين لشمول لفظ الأجل، وخصوص أولات الأحمال بالنسبة إلى الأزواج مطلقًا، وإن شئت فقل: بالنسبة إلى المطلقات والمتوفى عنهن رجالهن مطلقًا فلا فرق قاله في الكشف ثم قال: ومن ذهب إلى أبعد الأجلين احتج بأن النصين متعاضدان لأن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه ولا وجه للإلغاء فيلزم الجمع، وفي القول بذلك يحصل الجمع لأن مدة الحمل إذا زادت فقد تربصت أربعة أشهر وعشرًا مع الزيادة وإن قصرت وتربصت المدة فقد وضعت وتربصت فيحصل العمل قتضى الآيتين، والجواب أنه إلغاء للنصين لا جمع إذ المعتبر الجمع بين النصين لا بين المدتين وذلك لفوات الحصر والتوقيت الذي هو مقتضى الآيتين اه فتدبر.
وقرأ الضحاك أحمالهن جمعًا {وَمَن يَتَّقِ الله} في شأن أحكامه تعالى ومراعاة حقوقها: {يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} بأن يسهل عز وجل أمره عليه، وقيل: اليسر الثواب {وَمِنْ} قيل: للبيان قدم على المبين للفاصلة، وقيل: عنى في، وقيل: تعليلية.